×
20 محرّم 1446
27 يوليو 2024
الجمهورية الجديدة
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير: مرتضى أبوعقيل
مقالات

قضاء حوائج الأخرين في الشريعة الإسلامية

الجمهورية الجديدة

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:195]، والقائل أيضًا: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}[البقرة:184]، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:

أيها الأحبة الكرام: فمن أفضل ما يتحلى به المرء في هذا الزمان، الذي كثر فيه الغلاء، والوباء، والبلاء، ما يعرف بقضاء الحوائج للأخرين، أي: القيامُ على رغباتهم وطلباتهم، بما أنعم الله علينا من مالٍ، أو طعامٍ، أو شرابٍ، أو دابةٍ، أو وقتٍ، أو جهدٍ، أو جاهٍ، أو سلطانٍ...وهكذا، وإتمامُها، والمجيء بها على قدر المستطاع.

فمن محاسن الشريعة الإسلامية أنها دعت إلى نشر الخير والمعروف، والإحسان والتفضل بين الناس، فقال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الحج:77]، وقال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:148].
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ...)(رواه مسلم)، وكان سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إذا أتاه طالبُ حاجة أو السائل، أقبل على جلسائه، فقال: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ)(متفق عليه)، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقف على ناس جلوس، فقال: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ؟). قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله، أخبرنا بخيرنا من شرنا. فقال:(خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ)(رواه الترمذي).

ولم تكتفْ الشريعة الإسلامية في قرآنها وسنة نبيها بالدعوة العامة لقضاء حوائج الآخرين، بل دعت الحكام، والأمراء، والولاة دعوة خاصة للقيام ذلك، فقد دخل أبو مريم الأزدي (رضي الله عنه) على معاوية (رضي الله عنه)....فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ). قال أبو مريم: فَجَعَلَ (أي: معاوية) رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ.) رواه أبو داود).

كما أن قضاء حوائج الآخرين من أحب الأعمال إلى الله (عزّ وجلّ)، ويقدم على نوافل العبادات والطاعات؛ لأن نفعه متعد للغير: فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما)، أن رجلا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله (عزّ وجلّ)؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، (يعني المسجد النبوي)، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ؛ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ) عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ)(المعجم الأوسط).

وقضاء حوائج الأخرين من شيم الأنبياء والمرسلين، ومن عظيم صفاتهم: فسيدنا موسى (عليه السلام) تحركت فيه عوامل الشهامة والرجولة، والنخوة والمرؤة، والغيرة على محارم الله، حينما وجد فتاتين من أهل مدين ينتظران دورهما بعد الرعاة في سقي الغنم، فقام بسقي أغنامهما، وقضاء حاجتهما، راحمًا إياهما من الانتظار، ومخالطة الرجال، بعد أن سار على قدميه ثمانية أيامٍ هربًا من مصر بعد قتله القبطي، وكاد أن يهلك من شدة الجوع والعطش، فيقول الحق تبارك وتعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير*فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص:24،23].

ويقول الحق تبارك وتعالى على لسان الفتيين اللذين دخلا السجن مع يوسف (عليه السلام)، يقولان ليوسف: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:36]، فسر هذا الإحسان بقضاء حوائج الأخرين، فقال المفسرون: وصفوه بذلك؛ لأنه كان في السجن يعود مريضهم، ويداويه، ويعزي حزينهم ويواسيه، ويوسع على من ضاق عليه مكانه منهم, ومن احتاج منهم إلى شيء جمعه له، كما إنه لما دخل السجن وجد فيه قومًا اشتد بلاؤهم، وانقطع رجاؤهم، وطال حزنهم، فجعل يسليهم، ويقول: أبشروا واصبروا تؤجروا. (تفسير البغوي بتصرف).

وانظروا للسيدة خديجة (رضي الله عنها)، وهي تشهد للمصطفى (صلى الله عليه وسلم) بقضائه حوائج الأخرين، حينما قال لها بعد نزول الوحي عليه للمرة الأولى: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي). فقالت له: (كَلَّا، أَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)(متفق عليه).
لقد بلغ من شدة قضاء النبي (صلى الله عليه وسلم): لحوائج الأخرين أنه كان يستدين ليقضيها، فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فسأله فقال: (مَا عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَ، وَلَكِنِ اسْتَقْرِضْ حَتَّى يَأْتِينَا شَيْءٌ فَنُعْطِيَكَ). فقال عمر: ما كلفك الله هذا، أعطيت ما عندك، فإذا لم يكن عندك فلا تكلف. قال: فكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قول عمر حتى عرف في وجهه. فقال الرجل: يا رسول الله بأبي وأمي أنت، فأعط ولا تخش من ذي العرش إقلالا، قال: فتبسم النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقال: (بِهَذَا أُمِرْتُ)(مسند البزار).

وقضاء حوائج الأخرين من شيم سلفنا الصالح (رضي الله عنهم) أجمعين: فقد بلغ من شدة امتثال السلف الصالح لهذا الخلق الكريم، أن بعضهم كان يقوم على قضاء حوائج أعدائه، مع قضاء حوائج الآخرين، فعن (جعفر الصادق) جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، ت(148هـ)، قال: (إِنِّي لَأُسَارِعُ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِ أَعْدَائِي مَخَافَةَ أَنْ أَرُدَّهُمْ فَيَسْتَغْنُوا عَنِّي)(أداب الصحبة للسلمي).

( ثمانيةٌ من فوائد وثمار قضاء حوائج الأخرين):

أيها الأخوة الأحباب: إن لقضاء حوائج الآخرين ثمارٌ عظيمة، وفوائد جليلة، فمن يفعل الخير لا يعدم جوازيه فالمعروف لا يضيع عند الله ولا عند الناس، وهو طريق الفلاح كما تقدم في آية الحج، فمن فوائده وثماره:

1ـ أنه نوعٌ من أنواع الصدقة، وزكاة عن الصحة والبدن والعافية، قال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ). قَاَل: (تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ). قَاَل: (وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) (رواه مسلم).

2ـ قضاء حوائج الأخرين يحفظ لنا النعم التي أنعم الله بها علينا، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ)(شعب الإيمان).

3ـ قضاء حوائج الأخرين فيه معيةٌ وعونٌ من الله، وفيه تفريجٌ للهمّ والغم والكرب في الدنيا والأخرة، وفيه مجازاة بمثل صنيعه في الآخرة، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) (متفق عليه)، وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْرَى مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَجْوَعَ مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَظْمَأَ مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَنصَبَ مَا كَانُوا قَطُّ، فَمَنْ كَسَا لِلَّهِ كَسَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَطْعَمَ لِلَّهِ أَطْعَمَهُ، وَمَنْ سَقَى لِلَّهِ سَقَاهُ، وَمَنْ عَمِلَ لِلَّهِ أَعْفَاهُ اللَّهُ) (قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا).

4ـ قضاء الحوائج فيه انتشار الألفة والمودة والمحبة والترابط بين أفراد المجتمع حتى يصيروا كالجسد الواحد، فتختفي النزاعات من المجتمع، وتضمحل الأنانية وحب الذات، ويعم السلام والرخاء، فالجزاء من جنس العمل، وصدق النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (اللفظ لمسلم).

5ـ قضاء حوائج الأخرين فيه ثوابٌ عظيمٌ، دائمٌ لا ينقطع لا يعلمه إلا الله (عزّ وجلّ)، قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المزمل:20]، وقال تعالي: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [والتين:1ـ6]. وصدق الشاعر:
يَدُ الْمَعْرُوفِ غُنْمٌ حَيْثُ كَانَتْ .... تَحَمَّلَهَا كَفُورٌ أَوْ شَكُورُ .... فَمَا شَكَرَ الشَّكُورِ لَهَا جَزَاءً .... وَعِنْدَ اللهِ مَا كَفَرَ الْكَفُورُ

6ـ قضاء حوائج الأخرين فيه مغفرة للذنوب، وستر للعيوب، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ مِنَ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ إِدْخَالَكَ السُّرُورَ عَلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ, إِشْبَاعَ جَوْعَتِهِ وَتَنْفِيسَ كُرْبَتِهِ) (مسند الحارث)، وفي رواية: (مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ: إِطْعَامُ الْمُسْلِمِ السَّغْبَانِ قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ): {فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}[البلد:14]) (مكارم الأخلاق، ومستدرك الحاكم).

7ـ قضاء حوائج الأخرين فيه وقايةٌ وحفظٌ من الموت بطريقة بشعة فظيعة، كالموت حرقا، أو غرقا، أو هدما...إلخ، قال (صلى الله عليه وسلم): (صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ) (المعجم الأوسط للطبراني)، ومن صنائع المعروف (أفعال الخير)، قضاء الحوائج.

8ـ قضاء حوائج الأخرين فيه نجاةٌ من أهوال يوم القيامة، ودخول الجنة بإذن الله (عزّ وجلّ)، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ أَهْلَ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَيَبْعَثُ أَهْلَ الْمَعْرُوفِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ الْمُسَافِرِ فَيَأْتِي صَاحِبَهُ إِذَا انْشَقَّ عَنْهُ قَبْرُهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَيَقُولُ أَبْشِرْ يَا وَلِيَّ اللَّهِ بِأَمَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ وَلَا يَهُولَنَّكَ مَا تَرَى مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يَزَالُ يَقُولُ لَهُ احْذَرْ هَذَا، وَاتَّقِ هَذَا فَيُسَكِّنُ بِذَلِكَ رَوْعَهُ حَتَّى يُجَاوِزَ بِهِ الصِّرَاطَ فَإِذَا جَاوَزَ الصِّرَاطَ عَدَلَ وَلِيَّ اللَّهِ إِلَى مَنَازِلِهِ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ يَنْثَنِي عَنْهُ الْمَعْرُوفُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ أَنْتَ خَذَلَنِي الْخَلَائِقُ فِي أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ غَيْرُكَ فَمَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَمَا تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ أَنَا الْمَعْرُوفُ الَّذِي عَمِلْتَهُ فِي الدُّنْيَا بَعَثَنِي اللَّهُ خَلْقًا لِيُجَازِيَكَ بِهِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (اصطناع المعروف لابن أبي الدنيا).

فاللذة كل اللذة، والسعادة كل السعادة، في قضاء حوائج الآخرين، وإدخال الفرحة والسرور عليهم، بتنفيس كرباتهم، وتيسير أمورهم، فعن محمد بن المنكدر قال: (لَمْ يَبْقَ مِنْ لَذَّةِ الدُّنْيَا إِلَّا قَضَاءُ حَوَائِجِ الْإِخْوَانِ) (آداب الصحبة للسلمي)، ولله درّ القائل:
اقض الحوائج ما استطعـت .... وكن لهمِ أخيك فارج .... فــــلخـــــــير أيام الفــــــتى .... يوم قضى فيه الحوائج

(من آداب قضاء حوائج الأخرين)

أيها أخوة الأحباب: ما زال الحديث بنا موصولا مع خلق من أخلاق الإسلام العالية، ألا وهو (قضاء حوائج الأخرين)، وبقي لنا في تلك الجمعة المباركة أن نعيش مع الآداب التي ينبغي مراعاتها عند قضاء حوائج الأخرين، فأقول، وبالله التوفيق، منها:

1ـ أن يكون قضاء الحوائج خالصًا لوجه الله (عزّ وجلّ)، بعيدًا عن السمعة والرياء؛ حتى يكون مقبولًا عند الله (عزّ وجلّ)؛ لقول الحق تبارك: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]، وما أُمرت به الأمم السابقة أمرت به الأمة المحمدية، فقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر:2].
وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) (رواه البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ)(متفق عليه). وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ) (متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) (رواه مسلم).

2ـ قضاء حوائج الآخرين حتى يكون مقبولا عند الله (عزّ وجلّ) ينبغي أن يكون من الحلال الطيب، وخصوصًا إذا كان بالطعام، والشراب، والمال، والدابة، والمسكن، وكل ما هو مادي محسوس، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267].
وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟) (رواه مسلم).

3ـ قضاء حوائج الأخرين ينبغي أن يكون بعيدًا عن المنّ، والأذى، وكسر الخاطر، فالحق تبارك وتعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}[البقرة:264]، وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يعلمنا قضاء الحوائج بدون كسر للخاطر، فعن سهل بن سعد (رضي الله عنه)، قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ببردة (ثوب يشبه العباءة اليوم)، فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها النبي (صلى الله عليه وسلم) محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه، فاكسنيها، فقال: (نَعَمْ). فلما قام النبي (صلى الله عليه وسلم) لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) أخذها محتاجا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي (صلى الله عليه وسلم)، لعلي أكفن فيها. (رواه البخاري).
وقد بلغ من شدة اهتمام السلف الصالح بذلك، وحفظهم لماء وجه صاحب الحاجة أنهم كانوا يطلبون كتابة الحاجة، وعدم التكلم والتصريح بها، فعن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، أنه قال لصاحب له: (إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ فَلا تُكَلِّمْنِي فِيهَا، وَلَكِنِ اكْتُبْهَا فِي رُقْعَةٍ، ثُمَّ ارْفَعْهَا إِلَيَّ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَرَى فِي وَجْهِكَ ذُلَّ الْمَسْأَلَةِ) (شعب الإيمان).

4ـ قضاء حوائج الأخرين ينبغي أن يكون بغير ابتداء، ولا مسألة من صاحبها، لما في السؤال من مذلة، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مَا مَشَى أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ يَسْأَلُهُ شَيْئًا) (سنن النسائي)، وقال سعيد بن العاص لابنه: (يَا بُنَيَّ! أَقْبَحَ اللَّهُ الْمَعْرُوفَ، إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، فَأَمَّا إِذَا أَتَاكَ تَرَى دَمَهُ فِي وَجْهِهِ، وَمُخَاطِرًا، لا يَدْرِي أَتُعْطِيهِ، أَمْ تَمْنَعُهُ، فَوَاللَّهِ , لَوْ خَرَّجْتَ لَهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِكَ مَا كَافَأْتَهُ) (القناعة والتعفف)، ولله درّ القائل:
لا تَحْسَبَنَّ الْمَوْتَ مَوْتَ الْبِلَى .... فَإِنَّمَا الْمَوْتُ سُؤَالُ الرِّجَالِ .... كِلاهُمَا مَوْتٌ وَلَكِنَّ ذَا .... أَشَدُّ مِنْ ذَاكَ لِذُلِّ السُّؤَالِ

فاتقوا الله عباد الله، وقوموا بحوائج إخوانكم، ترضون بذلك ربكم، وتمتثلون هدي أنبيائكم، وتحافظوا على نعمكم، فطوبى لعبد كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لَلشَّرِّ، مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ) (رواه ابن ماجه).

فاللهمّ إنّا نسألك أن تختم لنا بخاتمة السعادة، اللهم نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمدعبدك ورسولك و نبيك وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا

قضاء حوائج الأخرين في الشريعة الإسلامية محمد عرنوس

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,526 شراء 2,537
عيار 22 بيع 2,315 شراء 2,326
عيار 21 بيع 2,210 شراء 2,220
عيار 18 بيع 1,894 شراء 1,903
الاونصة بيع 78,550 شراء 78,905
الجنيه الذهب بيع 17,680 شراء 17,760
الكيلو بيع 2,525,714 شراء 2,537,143
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

السبت 12:09 مـ
20 محرّم 1446 هـ 27 يوليو 2024 م
مصر
الفجر 03:31
الشروق 05:11
الظهر 12:02
العصر 15:38
المغرب 18:52
العشاء 20:20