سقوط إيران بوصفها قوة إقليمية محورية يمثل تحول جذرى في جدول الأعمال الجيوسياسى للشرق الأوسط

تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط في أعقاب الضربات الإيرانية الإسرائيلية والذي اندلعت منذ فجر الجمعة، لتطال ضربات إسرائيل قادة إيرانيين بينما استهدفت الضربات الإيرانية تل أبيب، وفي قلب الصراع وجهت طهران تهديدا قويا إلى بعض الدول الحليفة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا بضرب قواعدها في الشرق الأوسط إذا حاولت مساندة تل أبيب والتصدي لضربات طهران.

سقوط إيران بوصفها قوة إقليمية محورية يمثل تحول جذرى في جدول الأعمال الجيوسياسى للشرق الأوسط، مع تداعيات عميقة تشبه تلك التى حدثت فى أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا.

فالتاريخ يعلمنا بأن إنهيار الأنظمة يؤدى إلى تفريغ الدولة من مؤسساتها، مما يفتح المجال أمام إنتشار الفوضى المنظمة، المتمثلة في ظهور المليشيات، وعناصر تنظيم "داعش"، وتدخلات أجنبية توزع المنطقة إلى دويلات متناحرة.

وفي هذا السياق فإن ممرات الملاحة البحرية، مثل مضيق هرمز وباب المندب، ستكون تحت التهديد، الأمر الذي قد يدفع أمريكا إلى إتخاذ مواقف عسكرية تحت شعار "حماية الملاحة العالميه"، بينما الهدف الحقيقى من ذلك هو عسكرة بحر العرب والبحر الأحمر، ومحاصرة قوى أخرى مثل الصين ومصر والخليج، مما يتسبب بسلسلة من التوترات قد تعيد تشكيل موازين القوى العالمية.

إن عدم صمود القوة الإيرانية فى الحرب الحاليه قد يمهد الطريق لمشروع "سايكس بيكو الجديد"، وهو خطة تبدو واضحة للاعبين الدوليين الراغبين في تفكيك الدول المركزية لصالح دويلات طائفية وظيفية، وهو ما يشير إلى عدم إستقرار قادم.

التاريخ الأمريكى في التدخلات العسكرية، المتسم بالإستفادة من الفوضى، يوضح أن واشنطن وإسرائيل لن يتعلما من تجارب الماضى، بل ستزيد من البلطجة في حالة غياب إيران، مما يجعل الدول العربية الأخرى عرضة لتهديدات المباشرة.

ومع ذلك يجب الإعتراف بأن إيران شهدت تغييرات داخلية تتجه نحو إصلاح خطابها، وتتطلع نحو علاقات أكثر إيجابية مع جيرانها، مما قد يعكس تحول فى موازين القوى إذا تم استثماره بشكل جيد.

في حال زوال التهديد الإيراني، من المتوقع أن تُطلق إسرائيل العنان لغطرستها، مما سيؤدي إلى المزيد من الضغوط على غزة، وسيصبح مشروعها لتهجير السكان واقع ملموس فى حاله عدم الرد المباشر لمصر.

السيناريو المتوقع هنا هو تكرار النسخة الأكثر تعقيد من الفوضى التي شهدتها سوريا والعراق، ولكن بأسلوب نووي ومذهبي.

إن تحلل إيران كدولة يعني بداية لتفكك باقي القوى الكبرى في المنطقة، وهو ما قد يلقي بتبعاته على دول محوريه كمصر وتركيا، وكذلك الخليج وروسيا.

تتساوى التهديدات الخاصة بسقوط إيران مع تهديدات مواجهة أي دولة أخرى تفكر في مقاومة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.

تلك الرسالة واضحة: لن يُسمح لأي قوة بالقول "لا" أو بالمقاومة دون عواقب وخيمة، حيث سيتحول الحصار والتفكيك إلى واقع مرير.

ومن هذا المنطلق أصبح من الضروري أن تتبنى الدول العربية إستراتيجيات إستباقية للحفاظ على وحدتها وإستقلالها في مواجهة هذا التحدي الكبير، لأن الإستقرار الإقليمي يعتمد بشكل كبير على كيفية التعامل مع هذه الديناميكيات المعقدة والمترابطة. في النهاية، إن سقوط إيران لا يمثل خطر عليها فحسب، بل هو تهديد شامل لكل من يسعى للتمرد على السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، مما يستدعى منا توحيد الجهود وتحليل العواقب بعناية.