في تونس الرقمية: من يسيطر على دفة الأخبار؟


تعيش تونس اليوم مرحلة مفصلية في طريقة تداول الأخبار. لم تعد وسائل الإعلام التقليدية وحدها مصدر المعلومة، بل دخلت المنصات الرقمية والشبكات الاجتماعية بقوة إلى ساحة المنافسة.
أصبح المستهلك التونسي يختار متى وكيف يحصل على آخر المستجدات، متقلباً بين صفحات فيسبوك، منصات مستقلة، وحتى مجموعات الواتساب.
هذا التنوع جلب معه فرصاً لتعدد الأصوات وتوسيع مساحة النقاش، لكنه خلق أيضاً تحديات أمام مصداقية الخبر وكشف الحقيقة وسط زخم هائل من المعلومات المتدفقة.
في هذا المقال، نستكشف من يقود صناعة الأخبار الرقمية في تونس اليوم، كيف تغيرت عادات استهلاك المعلومة، وما هي المخاطر الجديدة أمام نزاهة الإعلام.
المشهد الرقمي والإعلامي في تونس اليوم
تونس خلال السنوات الأخيرة عرفت تغيراً كبيراً في طريقة إنتاج الأخبار وتداولها بين الناس.
ما كان مقتصراً على قنوات التلفزيون والإذاعة والصحف، بات اليوم متاحاً للجميع عبر الهواتف الذكية والمنصات الرقمية.
مع توسع استخدام الإنترنت وزيادة الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل متابعة آخر الأحداث في أي وقت ومن أي مكان.
لا يقتصر الأمر على الأخبار السياسية والاجتماعية فقط، بل يشمل أيضاً الترفيه والمحتوى الثقافي والرياضي، ما جعل الخيارات أمام المستخدمين أوسع بكثير من السابق.
المنصات الرقمية مثل فيسبوك ويوتيوب لم تعد مجرد قنوات لنقل الأخبار بل أصبحت مساحة حقيقية للتفاعل والنقاش وصناعة الرأي العام.
في هذا المناخ الجديد، ظهرت تحديات تتعلق بسرعة تداول المعلومات وصعوبة التحقق من صحتها مع انتشار صفحات إخبارية غير رسمية ومؤثرين لديهم جمهور واسع.
رغم هذه التحولات، بقيت الحاجة قوية لمصادر موثوقة تستطيع تقديم محتوى دقيق ومتجدد يعكس نبض الشارع التونسي وتطلعاته.
ولمن يرغب باكتشاف جانب آخر من العالم الرقمي بعيداً عن الأخبار الجدية وضغط الأحداث اليومية، يمكنه زيارة كازينو أونلاين تونس لتجربة ترفيهية فريدة عبر الإنترنت تجمع بين المتعة وسهولة الوصول في أي وقت.
اللاعبون الجدد في الأخبار الرقمية: من يصنع الحدث خارج الإعلام التقليدي؟
المشهد الإعلامي في تونس لم يعد حكراً على المؤسسات التقليدية كما كان في السابق.
مع تنامي استخدام الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي، برزت فئة جديدة من صناع الأخبار لم يكن لها حضور بهذا التأثير قبل خمس سنوات فقط.
اليوم، أصبح المؤثرون الرقميون، الصحفيون المواطنون، والمنصات المستقلة لاعبين أساسيين في نقل المعلومة وتشكيل النقاش العام.
صفحات إخبارية على فيسبوك وتويتر تتفاعل مع الأحداث لحظة بلحظة، ومؤثرون يحظون بمتابعة واسعة يقدمون تحليلاتهم الخاصة أو حتى ينقلون الخبر من الميدان بشكل مباشر.
هذا التحول منح الجمهور خيارات متعددة وفتح الباب أمام أصوات جديدة لكن جلب أيضاً تحديات حول مصداقية الخبر وحدود حرية التعبير.
المؤثرون وصحافة المواطن: صوت الشارع الرقمي
تونس اليوم مليئة بأمثلة لمواطنين عاديين أصبحوا مصدراً رئيسياً للمعلومة في لحظات الأزمات أو الاحتجاجات.
بفضل الهواتف الذكية والبث المباشر على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام، صار بإمكان أي شخص نقل الحدث فور وقوعه دون انتظار تغطية الإعلام التقليدي.
هذه الظاهرة عززت حس المشاركة المجتمعية وساعدت على كشف بعض الحقائق التي كان من الصعب الوصول إليها سابقاً.
لكن من تجربتي مع متابعة هذه المصادر، أجد أن سرعة النشر أحياناً تأتي على حساب الدقة والتحقق المسبق للمعلومات.
وجود مؤثرين يملكون قاعدة جماهيرية كبيرة يمنحهم قوة للتأثير على الرأي العام، لكنه يضعهم أيضاً أمام مسؤولية أخلاقية كبيرة لتقديم محتوى موثوق وعدم الانسياق خلف الإشاعات أو الأخبار غير المؤكدة.
المنصات المستقلة: بين الحرية والتحديات
خلال السنوات الأخيرة شهدنا ولادة العديد من المواقع والمنصات الإخبارية المستقلة التي تركز على العمق والتحقيقات الصحفية بعيداً عن الخط التحريري للإعلام الحكومي أو التجاري الكبير.
هذه المنصات توفر هامشاً أكبر للتعبير عن قضايا الشباب وحقوق الإنسان والحريات الفردية، وغالباً ما تستقطب كتاباً وصحفيين شبان يبحثون عن الحرية التحريرية وفرصة صناعة محتوى مغاير للسائد.
رغم ذلك، فإن الاستمرارية تمثل تحدياً فعلياً أمام معظمها بسبب ضعف مصادر التمويل أو الاعتماد بشكل كبير على التطوع والشراكات الدولية المحدودة زمنياً.
أيضاً لا يمكن تجاهل الضغوط التي تواجهها بعض هذه المواقع سواء عبر التضييق القانوني أو محاولات حجبها أو حتى التشكيك بمصداقيتها عندما تقترب من ملفات حساسة سياسياً واقتصادياً داخل تونس.
خوارزميات المنصات الاجتماعية: من يتحكم في تدفق الأخبار وتشكيل الرأي العام؟
لا يمكن الحديث عن المشهد الإعلامي الرقمي اليوم دون التوقف عند الخوارزميات التي تديرها منصات مثل فيسبوك، تويتر، وإنستغرام.
هذه الخوارزميات ليست مجرد برامج تقنية بل أصبحت لاعبة أساسية في تحديد ما يصل إلى المستخدم من محتوى إخباري أو منشورات يومية.
في كثير من الحالات، تساهم هذه الأدوات في رسم حدود معرفتنا وتوجيه مزاج الرأي العام، سواء عن قصد أو بشكل غير مباشر.
فما الذي يجعل بعض الأخبار تظهر على شاشاتنا فيما تختفي أخرى؟ وكيف تعيد هذه الخوارزميات ترتيب أولويات المستخدمين وتؤثر على قناعاتهم؟
فقاعات المعلومات: هل نعيش في غرف صدى رقمية؟
أحد أخطر آثار خوارزميات المنصات الاجتماعية هو تكوين ما يُعرف بفقاعات المعلومات أو غرف الصدى.
الخوارزمية تراقب اهتماماتك وتتبع تفاعلاتك، ثم تبدأ بتقديم محتوى يتوافق مع آرائك ومعتقداتك السابقة.
بمرور الوقت، يصبح المستخدم محاطًا بأفكار تشبه أفكاره فقط، مما يعزز قناعاته ويمنع عنه وجهات النظر الأخرى.
هذا الانغلاق المعرفي يضعف الحوار المجتمعي ويعمق الانقسامات حول القضايا السياسية أو الاجتماعية. رأيتُ ذلك واضحًا أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث كانت النقاشات متشنجة ومغلقة حول مجموعات محددة فقط.
نصيحة عملية: حاول متابعة مصادر متنوعة وكسر روتين التصفح اليومي حتى تتجنب الوقوع داخل الفقاعة المعلوماتية دون أن تشعر.
الترندات والأخبار الزائفة: كيف تنتشر بسرعة؟
ليس من المبالغة القول إن سرعة انتشار الشائعات أو "الترندات" المفبركة أصبحت جزءًا من المشهد الرقمي اليومي في تونس والعالم العربي عمومًا.
الخوارزميات تعطي الأولوية للمحتوى الذي يثير تفاعلًا كبيرًا: إعجابات، مشاركات، أو حتى جدل. نتيجة لذلك، يمكن لخبر زائف أن ينتشر كالنار في الهشيم خلال ساعات قليلة فقط.
رأيت بنفسي أخبارا مغلوطة حول قضايا سياسية واجتماعية تنتقل بسرعة بين الصفحات دون تحقق فعلي. كلما زاد الجدل حول منشور معين كلما دفعته الخوارزمية أكثر إلى الواجهة حتى يعتقد الكثيرون بصحته لمجرد كثرة ظهوره لديهم.
الحذر ضروري هنا: لا تعتمد على الانتشار كمقياس للمصداقية. عد دائمًا إلى المصدر الأصلي وابحث عن أكثر من وجهة نظر قبل مشاركة أي خبر جديد.
مصداقية الأخبار الرقمية: بين التحقق والتضليل
سرعة انتشار الأخبار عبر الإنترنت جعلت من الصعب على المتلقي التمييز بين المعلومة الصحيحة والشائعة أو التضليل.
في تونس، أصبح الخبر يصل للمواطن خلال دقائق عبر شبكات التواصل أو تطبيقات المراسلة.
هذه الوتيرة السريعة فتحت الباب لانتشار أخبار زائفة أحياناً، وجعلت الحاجة لمبادرات تحقق جادة ووعي نقدي أكبر بين المستخدمين ضرورة لا غنى عنها.
مبادرات التحقق ومكافحة الأخبار الكاذبة
في السنوات الأخيرة، ظهرت منصات تونسية متخصصة في رصد الأخبار والتحقق من صحتها مثل "Tunifact" و"المتحقق".
هذه المبادرات المحلية تعمل على فحص الادعاءات الرائجة، ونشر توضيحات تفصيلية حول مدى دقتها، ما يعزز من وعي الجمهور ويدفعه للتحقق قبل إعادة النشر.
هناك أيضاً تعاون مع مبادرات دولية مثل Africa Check، التي توفر أدوات وتقارير تساعد الصحفيين والجمهور في غربلة المعلومات بشكل أكثر مهنية.
رغم هذه الجهود، يواجه القائمون على منصات التحقق تحديات تتعلق بقلة الموارد وسرعة دورة الشائعة مقارنة بسرعة التحقق منها. ومع ذلك فإن أثرها بدأ يظهر تدريجياً في ثقافة الحذر والتمحيص لدى الجمهور التونسي.
التربية الإعلامية: سلاح المواطن الرقمي
واحدة من أهم الأدوات لمحاربة التضليل تكمن في نشر ثقافة التربية الإعلامية الرقمية بين جميع الفئات العمرية.
هذا المفهوم لا يعني فقط تعليم الطلاب كيفية استخدام الإنترنت، بل تدريبهم على تحليل المصادر ومقارنة الخبر بعدة مصادر وعدم الوقوع في فخ العناوين المضللة أو الصور المفبركة.
عدد من المدارس والجمعيات بتونس بدأت بالفعل بإدخال ورش عمل حول التفكير النقدي وتعليم مهارات البحث والتقصي لدى الشباب والمراهقين. حتى بعض الجامعات أدرجت مقررات حول صحافة البيانات والتحقق الرقمي.
مع ازدياد حضور الأخبار الزائفة في الفضاء العام، تصبح التربية الإعلامية خط الدفاع الأول للمجتمع الرقمي الواعي. كلما تعززت هذه الثقافة كان المواطن أقل عرضة للتأثر بالمعلومات المغلوطة وأكثر قدرة على الإسهام بإيجابية في النقاش العام.
نظرة إلى الأمام: من يملك مستقبل الأخبار في تونس الرقمية؟
يتغير المشهد الإعلامي في تونس بسرعة لا يمكن تجاهلها، خاصة مع بروز المؤثرين وتطور الخوارزميات التي تتحكم في ما نراه ونسمعه يومياً.
تحديات مصداقية الخبر لم تعد حكراً على المؤسسات التقليدية، بل أصبحت مسؤولية الجميع، من المستخدم العادي حتى أكبر المنصات الإخبارية.
يبقى السؤال مفتوحاً حول قدرة الرقمنة على دعم حرية التعبير أو فرض ضغوط جديدة قد تقيّد الإعلام والمجتمع.
في نهاية المطاف، المستقبل مرهون بتوازن دقيق بين الشفافية، ووعي الجمهور، وقوانين تضمن بيئة إعلامية صحية للجميع.